الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)
{وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}..وينتهي إلى التفويض المطلق في أمرهم؛ مع تقرير عبوديتهم لله وحده. وتقرير قوة الله على المغفرة لهم أو عذابهم؛ وحكمته فيما يقسم لهم من جزاء سواء كان هو المغفرة أو العذاب:{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}..فيا لله للعبد الصالح في موقفه الرهيب!وأين أولئك الذين أطلقوا هذه الفرية الكبيرة؛ التي يتبرأ منها العبد الطاهر البريء ذلك التبرؤ الواجف، ويبتهل من أجلها إلى ربه هذا الابتهال المنيب؟أين هم في هذا الموقف، في هذا المشهد؟.إن السياق لا يلقي إليهم التفاته واحدة. فلعلهم يتذاوبون خزياً وندماً. فلندعهم حيث تركهم السياق! لنشهد ختام المشهد العجيب:{قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}.... هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.. إنه التعقيب المناسب على كذب الكاذبين؛ الذين أطلقوا تلك الفرية الضخمة على ذلك النبي الكريم. في أعظم القضايا كافة.. قضية الألوهية والعبودية، التي يقوم على أساس الحق فيها هذا الوجود كله وما فيه ومن فيه.... هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.. إنها كلمة رب العالمين، في ختام الاستجواب الهائل على مشهد من العالمين.. وهي الكلمة الأخيرة في المشهد. وهي الكلمة الحاسمة في القضية. ومعها ذلك الجزاء الذي يليق بالصدق والصادقين:{لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}..{خالدين فيها أبداً}..{رضي الله عنهم}..{ورضوا عنه}..درجات بعد درجات.. الجنات والخلود ورضا الله ورضاهم بما لقوا من ربهم من التكريم:{ذلك الفوز العظيم}..ولقد شهدنا المشهد- من خلال العرض القرآني له بطريقة القرآن الفريدة- وسمعنا الكلمة الأخيرة.. شهدنا وسمعنا لأن طريقة التصوير القرآنية لم تدعه وعداً يوعد، ولا مستقبلاً ينتظر؛ ولم تدعه عبارات تسمعها الآذان أو تقرؤها العيون. إنما حركت به المشاعر، وجسمته واقعاً اللحظة تسمعه الآذان وتراه العيون..على أنه إن كان بالقياس إلينا- نحن البشر المحجوبين- مستقبلاً ننتظره يوم الدين، فهو بالقياس إلى علم الله المطلق، واقع حاضر. فالزمن وحجابه إنما هما من تصوراتنا نحن البشر الفانين..وفي نهاية هذا الدرس؛ وفي مواجهة الفرية الكبرى التي لم يفتر أضخم منها قط أتباع رسول! في مواجهة الفرية الكبرى التي أطلقها أتباع المسيح عيسى بن مريم- عليه السلام- فرية ألوهيته؛ الفرية التي تبرأ منها هذا التبرؤ، وفوض ربه في أمر قومه بشأنها هذا التفويض..في مواجهة هذه الفرية، وفي نهاية الدرس الذي عرض ذلك الاستجواب الرهيب عنها، في ذلك المشهد العظيم.. يجيء الإيقاع الأخير في السورة؛ يعلن تفرد الله- سبحانه- بملك السماوات والأرض وما فيهن؛ وقدرته- سبحانه- على كل شيء بلا حدود:{لله ملك السماوات والارض وما فيهن وهو على كل شيء قدير}..ختام يتناسق مع تلك القضية الكبرى التي أطلقت حولها تلك الفرية الضخمة، ومع ذلك المشهد العظيم الذي يتفرد الله فيه بالعلم، ويتفرد بالألوهية، ويتفرد بالقدرة، وينيب إليه الرسل؛ ويفوضون إليه الأمر كله؛ ويفوض فيه عيسى بن مريم أمره وأمر قومه إلى العزيز الحكيم. الذي له ملك السماوات والأرض وما فيهن، وهو على كل شيء قدير..وختام يتناسق مع السورة التي تتحدث عن الدين وتعرضه ممثلاً في اتباع شريعة الله وحده، والتلقي منه وحده، والحكم بما أنزله دون سواه.. إنه المالك الذي له ملك السماوات والأرض وما فيهن، والمالك هو الذي يحكم: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} إنها قضية واحدة.. قضية الألوهية.. قضية التوحيد.. وقضية الحكم بما أنزل الله.. لتتوحد الألوهية، ويتحقق التوحيد..
|